غموض المنافسة- من سيواجه أردوغان في الانتخابات التركية القادمة؟

المؤلف: د. سعيد الحاج08.15.2025
غموض المنافسة- من سيواجه أردوغان في الانتخابات التركية القادمة؟

بينما يظل عام واحد يفصلنا عن الانتخابات المصيرية في تركيا، تعيش البلاد في خضم استعدادات انتخابية مكثفة، تتجلى في التنافس الشديد، والاستقطاب الحاد، والمناوشات السياسية والإعلامية المتصاعدة. ومع ذلك، يبرز سؤال جوهري يبحث عن إجابة شافية: من يا تُرى سيجرؤ على الوقوف في وجه الرئيس التركي في هذه الانتخابات المرتقبة؟

انتخابات تحمل في طياتها تغييراً

مع مرور الأيام، تتضاءل احتمالات إجراء انتخابات مبكرة في تركيا، حيث يترقب حزب العدالة والتنمية الحاكم بشغف النتائج المرجوة لسياساته الاقتصادية، والتي يؤكد أنها ستبدأ في الظهور بشكل ملموس خلال الربع الأول من العام القادم. هذا الأمر يجعل إجراء الانتخابات في العام الحالي أمراً مستبعداً، حيث يفضل الحزب إجراءها في ظل ظروف اقتصادية أفضل، ليتمكن من إيصال رسالة واضحة للناخبين بأن السياسات الحكومية بدأت تؤتي ثمارها وتخفف عنهم الأعباء اليومية.

وبناءً على ذلك، وفي غياب أي تطورات مفاجئة، مثل أزمة اقتصادية تجعل المستقبل أسوأ من الحاضر، فإنه من غير المتوقع أن يتم تقديم موعد الانتخابات بشكل كبير، لتبقى في موعدها المحدد في يونيو/حزيران 2023، إلا في حال تم تقديمها بضعة أسابيع لتجنب موسم الصيف والإجازات، وذلك حرصاً على تحقيق أوسع مشاركة ممكنة في هذا الاستحقاق الديمقراطي.

من نافلة القول أن الانتخابات الرئاسية تكتسب أهمية مضاعفة مقارنة بالانتخابات البرلمانية، ويعزى ذلك إلى كون البلاد تدار بنظام رئاسي، ومن جهة أخرى، لأن الرئيس أردوغان نفسه يمثل محور الاستقطاب الرئيسي في هذه الانتخابات، وحوله تتشكل الآراء وتتبلور التحالفات والتحالفات المضادة. تجري هذه الانتخابات في أجواء مغايرة تماماً للمنافسات السابقة في عامي 2014 و 2018، والتي فاز بها الرئيس أردوغان بسهولة ملحوظة من الجولة الأولى.

هناك خيار آخر يتمثل في تقديم شخصية غير معروفة، لا تحمل طموحات سياسية، وتحديداً اسم "تكنوقراط" من داخل أروقة الدولة، شخصية بيروقراطية غير منحازة سياسياً بشكل واضح لأي من الأحزاب. هذا الطرح مطروح على "طاولة الستة"، بحيث يتم تقديم شخصية مستقلة بعيدة عن الأحزاب الستة، ويتم التوقيع معها على تعهدات مسبقة بشأن كيفية إدارة البلاد، بمساعدة ومشاركة هذه الأحزاب، في حال الفوز، وذلك في إطار فترة انتقالية للعودة لاحقاً إلى النظام البرلماني.

ستنظم هذه الانتخابات وفق منظومة تحالفات مختلفة هذه المرة، حيث إن تحالف "الشعب" المعارض، الذي خاض الانتخابات السابقة، ضم إليه حزبين جديدين ليشكل "طاولة الستة" التي تنسق للعودة بالبلاد إلى النظام البرلماني. ومن جهة أخرى، فقد انشقت الأحزاب الكبيرة، بما في ذلك العدالة والتنمية والشعب الجمهوري، وخرجت من عباءتها أحزاب جديدة، ولكن هذه المرة برئاسة شخصيات قيادية بارزة سابقاً في الحزبين والحكومة، وتحديداً رئيس الوزراء (ورئيس حزب العدالة والتنمية) الأسبق أحمد داود أوغلو، والوزير الأسبق علي باباجان، والمرشح الرئاسي في عام 2018 محرم إينجة.

علاوة على ذلك، ستجرى هذه الانتخابات في ظل تراجع شعبية العدالة والتنمية بشكل ملحوظ، لما سبق ولأسباب أخرى، وكذلك تراجع التأييد لأردوغان وإن بنسبة أقل، بطبيعة الحال. فضلاً عن التأثير الكبير للمشاكل الاقتصادية على المشهد السياسي الداخلي والحملات الانتخابية وآراء الناخبين بشكل لافت.

وأخيراً، هي مختلفة لأن هناك احتمالاً أكبر هذه المرة أن تجتمع بعض أحزاب المعارضة على مرشح توافقي لمنافسة أردوغان، وهو أمر، إن حدث، سيزيد من فرصه في المنافسة وربما الفوز. يظهر عدد كبير من استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخراً، والتي تصلح للاسترشاد بها وليس للجزم بالنتائج، بشكل واضح أن اسم المرشح المنافس لأردوغان (وبالتالي حزبه وخلفيته وأفكاره) له دور كبير في تحديد فرصه في المنافسة.

لذا، فقد تم طرح العديد من الأسماء المحتملة لمنافسة الرئيس التركي حتى الآن، وفي مقدمتها زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو، ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، ورئيس بلدية أنقرة منصور يافاش، والرئيس الأسبق عبدالله غل، ورئيس المحكمة الدستورية العليا السابق هاشم كيليتش، وبعض القيادات السياسية الأخرى، وشخصيات غير حزبية عديدة.

من ذا الذي سينازل أردوغان؟

عند الحديث عن المرشحين المحتملين لمواجهة أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة، تتجه الأنظار والنقاشات عادةً إلى المعارضة التقليدية، وتحديداً حزب الشعب الجمهوري والتحالف المعارض أو "طاولة الستة" كما يطلق عليها حالياً، إلا أنهما ليسا المصدر الوحيد للمنافسين.

هناك بعض الأحزاب الأخرى التي ليست منضوية تحت الإطار السداسي الذي يجمع أحزاب المعارضة الكبرى، وليس من المرجح أن تنضم إليه قبل الانتخابات؛ لذلك فمن الأرجح أن تقدم مرشحها الحزبي الذاتي. وفي مقدمة هذه الأحزاب "الشعوب الديمقراطي" الذي يواجه خطر الحظر بسبب دعوى مرفوعة ضده أمام المحكمة الدستورية، وكذلك حزب "البلد" برئاسة محرم إينجة الذي سيقدم الأخير غالباً مرشحاً رئاسياً.

في ما يتعلق بالمعارضة التقليدية أو "طاولة الستة"، هناك مساران محتملان، إما القدرة على الاصطفاف خلف مرشح توافقي تدعمه هذه الأحزاب، أو الذهاب إلى الانتخابات بعدة مرشحين.

نظرياً، يبدو تقديم مرشح توافقي خياراً منطقياً للمعارضة؛ إذ يعظم من فرصها في الفوز، ولكن هذا المنطق تحديداً هو السبب الرئيسي لعدم قدرتها حتى اللحظة على التوصل إلى مرشح توافقي، بل سيمنعها على الأغلب من التوصل إليه على الإطلاق.

فأحزاب المعارضة الستة تأتي من خلفيات ومشارب متنوعة وأحياناً متناقضة، ويجمعها في الأساس منافسة أردوغان وفكرة العودة إلى النظام البرلماني، إلا أن هذا لم يسد حتى اللحظة فجوة الثقة القائمة بينها. وفي ظل أن أي مرشح توافقي سيكون ذا فرصة مقبولة للمنافسة والفوز تحت نظام رئاسي يمنح الرئيس صلاحيات واسعة جداً من الصعب تحديدها من قبل البرلمان والقضاء أو كليهما، فإن الحرص يصبح سيد الموقف بين هذه الأحزاب بحيث لا ترغب في أن تكون مجرد جسر لوصول أحدها، عبر مرشحه، إلى الرئاسة بكل هذه الصلاحيات لينكر لاحقاً، في احتمال قائم، كل المسار السابق.

ولهذا السبب، فلن يكون بالإمكان تقديم اسم سياسي بارز، وخصوصاً رؤساء الأحزاب، كمرشح توافقي للمعارضة، إذ سيعني ذلك فوز أحد الأحزاب لا كل المعارضة، وهو السبب الرئيسي لمعارضة الأحزاب الخمسة الأخرى لرغبة رئيس الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو في ترشيح نفسه باسمها.

ومن جهة ثانية، فقد تراجعت اليوم حظوظ معظم الأسماء المعروفة المتداولة للمنافسة، وفي مقدمتهم كليجدار أوغلو نفسه الذي يرى كثيرون ومنهم حلفاؤه أن حزبه (الشعب الجمهوري) وطائفته (العلوية) وتاريخه (رئاسته السابقة لمؤسسة الضمان الصحي) تقف حائلاً أمام إمكانية فوزه. ومثله رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو الذي قدم أداءً ضعيفاً وخطاباً فوقياً في أكثر من حدث وأزمة ألمت بالمدينة خلال الأشهر المنصرمة، لدرجة أن وسائل إعلام معارضة كانت إلى جانبه وجهت له انتقادات حادة مؤخراً على هامش السيول التي طالت المدينة.

الخيار الآخر ضمن هذا المسار هو تقديم شخصية مغمورة لا طموح سياسياً لها، وتحديداً اسم "تكنوقراط" من داخل بيروقراطية الدولة غير منحاز سياسياً بشكل لافت لأحد الأحزاب. هذا الطرح موجود على "طاولة الستة" بحيث تقدم شخصية مستقلة بعيدة عن الأحزاب الستة، وتوقع معه تعهدات مسبقة بشأن كيفية إدارة البلاد -بمساعدتها ومشاركتها- في حال الفوز، في إطار فترة انتقالية للعودة لاحقا للنظام البرلماني.

وتكمن تحديات هذا المسار في إمكانية إيجاد شخصية مستقلة فعلاً وعلى المسافة نفسها من كل الأحزاب، لكن تكون في الوقت ذاته معروفة وقادرة على منافسة أردوغان، فضلاً عن ضمان عدم تبديل الموقف بعد نتائج الانتخابات في حال الفوز.

وأما السياق الثاني، فهو عدم الرغبة أو القدرة على تقديم مرشح توافقي، مما سيعني عدداً كبيراً من المرشحين المنافسين لأردوغان. السبب الرئيسي لذلك، إضافة إلى عامل ضعف الثقة الذي تقدم شرحه، هو مصلحة الأحزاب، لا سيما الجديدة والصغيرة منها، في تقديم مرشحها الذاتي، إذ يخدم ذلك فرص الحزب نفسه في الانتخابات البرلمانية.

لذلك، فقد أعلن رئيس حزب المستقبل أحمد داود أوغلو عن نيته الترشح للرئاسة "إلا إذا اتفقت طاولة الستة على مرشح توافقي"، وقال حزب الديمقراطية والتقدم إنه سيخوض الانتخابات بشكل منفرد وباسمه وشعاره "مع استمرار التزامه بطاولة الستة"، وهكذا. حتى رئيسة الحزب "الجيد" ميرال أكشنار، التي طالما رددت أنها لن تترشح للانتخابات الرئاسية ،كما في عام 2018، لرغبتها في أن تكون "رئيسة الوزراء في ظل النظام البرلماني المقبل"، هناك أحاديث باحتمال ترشحها بعد تراجع فرص كمال كليجدار أوغلو، مرشحاً توافقياً أو باسم حزبها.

إن كون الانتخابات الرئاسية ستحتاج على الأغلب إلى جولة إعادة هو أكثر الأمور التي تجعل رؤساء الأحزاب، لا سيما الكبيرة منها، يتمسكون بالترشح، رغبة من كل منهم في أن يكون هو المرشح الذي سينافس أردوغان في الإعادة، وسعياً لحصد أصوات أحزاب المعارضة جميعها في مواجهته لضمان الفوز.

في الخلاصة، يبدو المشهد ضبابياً في أوساط أحزاب المعارضة في ما يتعلق بالمرشحين المحتملين لمنافسة الرئيس التركي. صحيح أن البعض يرجع ذلك إلى إستراتيجية مقصودة لعدم منح أردوغان فرصة زمنية كافية لمهاجمة المنافس وإضعاف فرصه، إلا أن السبب الرئيسي والحقيقي هو عدم رغبة أو قدرة هذه الأحزاب على التوافق حتى اللحظة. وهو أمر مرشح للاستمرار حتى لحظة الاقتراع. ويبقى ذلك الصورة غير واضحة حتى ذلك الموعد، إلا أن تستجد مفاجأة غير محسوبة، وحتى ذلك الحين، فالمرجح أن نرى أسماء بارزة من مختلف الأحزاب مرشحين في مواجهة الرئيس التركي.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة